وماذا بعد كل هذا الفساد؟!

كثرت التحقيقات المتعلقة بالفساد ولكنها بالرغم من مصداقية بعضها أو لا فلا نستطيع أن نضعها جانباً لأنها لا تبين فقط حجم الفساد الذي آل إليه الكثير من مؤسساتنا ووصل، كما يقال، إلى الذقون، بل إنها تشير إلى حجم الاستهتار الذي لن يؤذي في النهاية هذا الشخص أو ذاك، هذه المؤسسة أو تلك.. رغم النفع الواضح الذي قد يحظى به هذا أو ذاك من عديمي الضمير والإحساس بالمسؤولية العامة، بل إن أذى هذا الحجم الهائل من الفساد في النهاية، سيطول الوطن وروحه.. وإذا كنا لا نريد التعامل مع هذه الظواهر على هذا الأساس، فإن قضايانا الوطنية قبل غيرها ستكون في مهب الريح، لأن أية سياسة مهما كانت صحيحة وصائبة، سيتوقف نجاحها على متانة حواملها، فالحوامل المنخورة من الداخل لن تصمد لأي ريح!
من هنا أريد القول: آن الأوان لأن نبدأ سياسة جدية لاستئصال هذا الفساد المستشري. لقد سمعت فيما سمع الكثيرون عن تقرير المنظمة العالمية للشفافية، وعن تأخر سورية في ترتيبها سبع درجات. مع العلم أن ترتيب سورية فيها ليس متقدماً أصلاً..!
أعتقد بأن فترة طويلة التي مرت على بدء مكافحة الدولة، بأجهزتها المختلفة، لظواهر الفساد، وقد وضعت تلك الأجهزة أيديها على حالات من الفساد لا تعد ولا تحصى، لكننا مانزال نراوح في المكان. خطر ببالي العمل على إيجاد نوع من تلك اللجان التي تشكل للتحقيق في قضايا الكسب غير المشروع.. ولكنني تراجعت مباشرة عن الفكرة، لأنها ستزيد الطين بلة.. إذ إن المشكلة ليست في عدد اللجان ودوائر الرقابة.. فهي كثيرة جداً وهي أيضاً لم تسلم من ذلك الخلل.. إذاً آن الأوان لإعادة النظر في هذه الآلية كلها، وخصوصاً أن أسماء الفاسدين التي ترد في الضبوط تشير إلى تستر هؤلاء بهذا الحزب أو ذاك.. فهل علينا البحث عن أساليب جديدة من خارج هذا المجتمع؟ لا أعتقد.. وليست العلة هنا.. العلة أن بركة الماء تحتاج إلى أن نضخ فيها مياهاً جديدة.. وهذه المياه هي التي ستسمح بغسل القديم ما أمكن وطرد الفاسد الذي سيرد مجدداً، وأقصد أن نعمل على إيجاد آلية تسمح للجميع، لكل من يتضح من هويته أنه عربي سوري من أكثر من خمس سنوات..فالآلية السائدة اليوم أدت إلى متوالية.من الفساد. وإلا ما معنى هذا لتفريخ المتتالي للفساد؟!
أرى أن الخروج من هذه الدوامة يتطلب أول ما يتطلب العمل على إيجاد قانون عصري وديمقراطي للأحزاب وآخر للصحافة والإعلام عموماً، لإعطاء المجتمع، المتضرر الأول من الفساد، مزيداً من الحرية للمراقبة والتدخل عند اللزوم، الأمر الذي يفسح في المجال لرفع الأيدي عن هذا أو ذاك من المتسترين بأحزاب أو هيئات أو مراكز أو أشخاص.. ثم لماذا لا تساهم الجبهة الوطنية التقدمية التي تقود البلاد وفق الدستور.. لماذا لا يتاح لها ولأحزابها أن تدخل هذا المعترك وأن يكون صوتها مسموعاً؟! ولماذا الصحافة لا تلعب دورها بجرأة أكبر ؟؟!! وفي جميع الأحوال إذ ا ما أردنا البحث عن وسائل أخرى فإننا سنجدها حتماً.. فما هو مهم حقاً هو الخروج من دائرة المصالح الضيقة الخاصة المتبادلة بين هؤلاء الذين باتوا يعرفون بعضهم جيداً.. ويتسترون على بعضهم أيضاً، وغايتهم تحقيق المنفعة الخاصة، حتى إن أدى ذلك إلى خراب الوطن والمجتمع!

جميع الحقوق محفوظة لشبكة همسات المحبة

وماذا بعد كل هذا الفساد؟!

وماذا بعد كل هذا الفساد؟!