الطائفية..خواطر ومخاطر

الطائفية..خواطر ومخاطر

لا داعي للبدء بتعريف الطائفية... إننا نلمسها ونشعر بها وهذه هي أفضل معرفة بها... الطائفية في الرؤوس أو على الورق أو في الخنادق مع البنادق... ليست إلا أشكال مختلفة لوضع مرضي واحد... الاختلاف فقط في الشدة وطريقة الممارسة!.

لو طُرح السؤال التالي: هل تشخيص هذا المرض سابقٌ لأوانه..متأخر أو مطابقٌ لأوانه..إنني أقول إنه متأخر... إذ ما لمسته في الآونة الأخيرة هو مذهل... إنها الطائفية قلباً وقالباً.

الطائفية تستهلك كل شيء إلا رجالها...إذ يوجد بدون شك من يجني المنافع منها..أقول مباشرة... الذي يجني هو الجاني ! في إحدى المناسبات قدمت تشبيهاً بين بعض رجال الدين وبعض جنرالات الجيش... إذ قلت إن ممارسة الطائفية هي كالحرب...أما من يموت في الحرب فهم الجنود والفقراء والأبرياء... و من يحصد النياشين والميداليات ثم المكافئات فهم أولئك الذين لم يطلقوا رصاصة...أعود مؤكداً هذا التشبيه!.
البعض نوه إلى وضع لبنان وطائفية العراق... ونوه إلى أن هذا التطور قد يمتد إلى الجوار الذي له بنية إنسانية متشابهة.. هذا التشبيه ليس أسطورة وإنما حقيقة... ومن المؤلم أن ينزلق مجتمع صغير أو كبير في هذه المتاهة أكثر مما انزلق... لو انزلق الجناة في الحفرة التي حفروها لكان سروري كبير...أما أن ينزلق الأبرياء في هذه الحفرة فهذا مؤلم جداً.. يقال إن العنف في إيرلندا تزوج الأنانية وأنجبوا الحرب...هل نوعية هذا التكاثر ضروري لنا أيضاً??.

البعض يشك بوجود الطائفية... لو كان هذا صحيحاً لكنت سعيداً...البعض يؤكدون وجودها... كم أكون تعيساً لو صدق ذلك... آخرون يؤكدون على نسبية التفكير الطائفي... أي يريدون تطبيع الطائفية... يريدون تطبيع وضع لا يمت للطبيعة بصلة... إذ أن الطائفية لم تولد مع الطبيعة... الطائفية تبقى دخيلة وتمثل بشكلها القطعي أو النسبي مرضاً اجتماعياً خبيثاً.

أهم خصائص الطائفية هو الصراع مع الآخرين أو مع الذات... الخسارة المطلقة هي القاسم المشترك لكل هذه الصراعات.
الصراع مع الآخرين بدائي وليس الهدف منه التفاهم... إذ أن التفاهم مرفوض سلفاً لذلك فإن الخسارة واقعة لا محال... أما الصراع مع الذات فالخسارة فيه تكمن في فقدان الكثير من معالم الذات... كالحرب الأهلية لا منتصر بها. وهذا ما يميز الصراع الطائفي عن بقية الصراعات مثل الصراع الفكري أو السياسي أو حتى العسكري.. إذ أن هذه الصراعات تنتهي عادةً بمنتصر ومنكسر.. الطائفية وصراعها لا يعرفون إلا المنكسرين.

لماذا لا يؤدي الصراع الطائفي إلى التفاهم..?. لأن التفكير الطائفي يرتكز على ركائز عديدة أهمها الإيمان المطلق أو التسليم الذي يتطلب الاعتقاد بالشيء دون البرهان عن صحته أو وجوده... والعمود الفقري للإيمان المطلق هو الإيمان بالغيب.. لذا فإن جدية وجدوى الصراع ليس له علاقة أولية بالمصارعين وإنما مع وسيلة الصراع التي هي الإيمان المطلق والمتخلف عادةً.
حتمية عدم الوصول إلى التفاهم تكمن في عدم ملكية المصارعين الطائفيين لأنفسهم. وذلك لأن الإيمان المطلق حل محل العديد من الميزات الشخصية.. هؤلاء لا يملكون المقدرة والمرونة الكافية للتعامل مع الإيمان المطلق بشكل ديناميكي.. إذ أن الإيمان الذي يحاربون فيه ومن أجله مقدس ولا يقبل المساس أو التغيير... إذا مس أحدهم بقواعد الإيمان ستكون الخسارة أكبر.. الحياة ككافر هي أسوأ من الموت كمناضل!!!
الإيمان المطلق يقضي على الكثير من خصائص الإنسان وعلى إمكانياته لتطوير الذات إلى ما هو أفضل.. إذ أن محتويات الإيمان المطلق لا تتلاءم في كل الأحوال مع موجودات الحياة الآنية والمستقبلية لكل إنسان.

يولد الإنسان مزوداً برأس مفكر..هذا الرأس يُبتر ويُستعاض عنه بكرة مملوءة بالغيبيات.. هل يبشر هذا بالخير?.
هذه الكرة سوف لن تستطيع أن تنوب عن الرأس المفكر.. ووجودها ثم تحكمها بالإنسان سوف يؤدي إلى الكوارث التقليدية التي نلمسها ونراها بعد ممارسة الطائفية والاقتتال الطائفي.

يلجأ الإيمان المطلق أحياناً إلى أساليب تمكنه من الاستمرار بالوجود.. إذ يقوم هذا الإيمان المطلق بعقد هدنة مع الغير تطبيقاً للمثل الشائع.. كل على دينه.. هذه الهدنة تتسم بالهشاشة... إذ أن خرقها من قبل المتطرفين الذين لا يريدون العيش بجانب الآخرين تحت سقف واحد ناهيك عن النوم في سرير واحد ممكن وفي أي وقت يريدونه.. هذه الظاهرة تفسر تأرجح بعض الشعوب الدائم بين الحرب والسلم.. هذا ما نراه في جارنا لبنان.

من هم المتطرفون..? إنهم أولئك الذين يمارسون التفرقة والتفريق بشكل نشيط.. هم أيضاً أولئك الممارسون للتفرقة بشكل كامن.. الفرق بسيط بين من يعتقد بالتفريق وبين من يمارسه.

إذ أن الشكل الأول قد يتحول إلى الشكل الثاني بسرعة..degeneration ،المتعنت ، المتصلب الذي فقد ذاته أو الكثير من هذه الذات وتحول رأسه إلى كرة مليئة بالآيات والأقوال والمقولات التي تمثل وجهة نظر أخرى واحدة مقدسة والتي يرددها كالببغاء حسب الحاجة وبكل مناسبة ويرشق بها الآخرين.. هو الذي لا يقول ما يعني وإنما يردد ما اختزن في رأسه من شعوذات وغيبيات، هو الطائفي حتى ولو لم يعتد على الآخرين جسدياً.. فيه تكمن المقدرة على العدوانية وبه يكمن الخطر الأكبر... إذ إن مكافحته أصعب من مكافحة الشكل الظاهر العلني الذي يمارس مرضه على الورق وفي الخنادق.. هذا الشكل هو ما يسمى طائفية الرؤوس والعقول.

كيف يكافح الإنسان الطائفية?
نظرة إلى أوروبا في القرون الوسطى وإلى أوروبا الآن تكفي... ما فعلته أوروبا في القرنين الماضيين ليس أكثر من تحرير العقل من الأوهام.. ليس إلا المقدرة على التعايش مع الموهومين وذلك انطلاقاً من مبدأ الاحترام لخصوصياتهم.. ليس إلا تطوير للجماعة الذي يجعل منهم مجتمعاً.. تتغير الأكثرية فيه والأقلية ديناميكياً.. هذه المجتمعات لا تعرف السرمدية والأبدية في تشكيلاتها.. نحن لا نزال للأسف في مرحلة السرمديات ونتقهقر بشكل متزايد باتجاه الشعوذات.

لماذا لا نقلد جزئياً ثائر الحب الذي رفض مبدأ العين بالعين والسن بالسن وتلاشى في سبيل ذلك على خشبة.. لماذا لا نقلد بعض الشيء ثائراً آخر لربما رأيناه وبعضنا يعرفه.. وُضع قبل حوالي ستين عاماً في خشبة لأنه ثار على الاعوجاج والشذوذ والغيبيات في المجتمع... أخي ليس المطلوب منك أن تُصلب على خشبة وليس المطلوب أن تُعدم رمياً بالرصاص من أجلي وأجل الآخرين.. المطلوب منك أيها الأخ أن تفعل شيئاً بسيطاً ايجابياً على الأقل من أجلك فقط .

تحياتي للجمييع

فى الصراعات الطائفيه الكل خاسر والرابح الوحيد هو من يوجج نيرانها لاهداف لديهم وهو اضعاف الامه العربيه وجعلها اكثر خضوعا وانكسارا

شكرا للاخ زوربا على هذا الموضوع

مشكور أخي الكريم أحمد على مرورك الكريم
نورت و شرفت الموضوع

جميع الحقوق محفوظة لشبكة همسات المحبة

الطائفية..خواطر ومخاطر

الطائفية..خواطر ومخاطر

رد: الطائفية..خواطر ومخاطر

رد: الطائفية..خواطر ومخاطر